فصل: (فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَإِسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.(فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَإِسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ):

فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَإِسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَالسَّبْيِ وَالِارْتِدَادِ:
قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ تَزَوَّجَ نَصْرَانِيٌّ نَصْرَانِيَّةً عَلَى خَمْرٍ أَوْ عَلَى خِنْزِيرٍ أَوْ بِغَيْرِ مَهْرٍ أَوْ اشْتَرَطَ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا وَهُمْ يَسْتَحِلُّونَ ذَلِكَ فِي دِينِهِمْ فَأَسْلَمَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَأَحَبُّ إلَيَّ إنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا أَنْ يَكُونَ لَهَا فِي جَمِيعِ هَذَا صَدَاقُ مِثْلِهَا، إذَا لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ شَيْئًا كَانَ لَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا، فَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا وَقَبَضَتْ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا مَا كَانَ أَصْدَقَهَا، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الزَّوْجِ شَيْءٌ وَهُمْ عَلَى نِكَاحِهِمَا، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى أَسْلَمَا وَقَدْ قَبَضَتْ مَا أَصْدَقَهَا أَوْ لَمْ تَقْبِضْ، فَأَرَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ أَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَهَا صَدَاقَ مِثْلِهَا وَيَدْخُلَ، فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ أَبَى فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ وَكَانَتْ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً، وَقَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ إنْ قَبَضَتْ مَا أَصْدَقَهَا ثُمَّ أَسْلَمَا وَلَمْ يَدْخُلْ فَلَا شَيْءَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ قَبَضَتْهُ فِي حَالٍ هُوَ لَهَا مِلْكٌ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ ذِمِّيًّا تَزَوَّجَ مُسْلِمَةً بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَدَخَلَ الذِّمِّيُّ بِهَا، مَاذَا يُصْنَعُ بِهَذَا الذِّمِّيِّ وَبِالْمَرْأَةِ وَبِالْوَلِيِّ، أَيُقَامُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالذِّمِّيِّ الْحَدُّ وَيَوْجَعُ الْوَلِيُّ عُقُوبَةً فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فِي ذِمِّيٍّ اشْتَرَى مُسْلِمَةً فَوَطِئَهَا قَالَ: أَرَى أَنْ يُتَقَدَّمَ إلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي ذَلِكَ أَشَدَّ التَّقَدُّمِ وَيُعَاقَبُونَ عَلَى ذَلِكَ وَيُضْرَبُونَ بَعْدَ التَّقَدُّمِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَأَرَى إنْ كَانَ مِمَّنْ يُعْذَرُ بِالْجَهَالَةِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يُضْرَبْ وَلَا أَرَى أَنْ يُقَامَ فِي هَذَا حَدٌّ، وَلَكِنِّي أَرَى الْعُقُوبَةَ إنْ لَمْ يَجْهَلُوا.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ الْجُهَنِيَّ يَقُولُ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ إنَّ الْمُسْلِمَ يَنْكِحُ النَّصْرَانِيَّةَ وَلَا يَنْكِحُ النَّصْرَانِيُّ الْمُسْلِمَةَ.
قَالَ يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ وَبَلَغَنِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَنْكِحُ الْيَهُودِيُّ الْمُسْلِمَةَ وَلَا النَّصْرَانِيُّ الْمُسْلِمَةَ.
يُونُسُ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجُوزُ لِنَصْرَانِيٍّ أَنْ يَنْكِحَ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ.
مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ.
سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَسْأَلُ هَلْ يَصِحُّ لِلْمُسْلِمَةِ أَنْ تَنْكِحَ النَّصْرَانِيَّ؟
قَالَ: لَا.
قَالَ بُكَيْر وَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ قُسَيْطٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا وَلَا الْيَهُودِيَّ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالُوا: فَإِنْ فَعَلَا ذَلِكَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا السُّلْطَانُ.
يُونُسُ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي نَصْرَانِيٍّ أَنْكَحَهُ قَوْمٌ وَهُوَ يُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، فَلَمَّا خَشِيَ أَنْ يُطَّلَعَ عَلَيْهِ أَسْلَمَ وَقَدْ بَنَى بِهَا قَالَ رَبِيعَةُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ رَضِيَ أَهْلُ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُ كَانَ لَا يَحِلُّ وَكَانَ لَهَا الصَّدَاقُ ثُمَّ إنْ رَجَعَ إلَى الْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ مَجُوسِيَّيْنِ أَسْلَمَ الزَّوْجُ، أَتَنْقَطِعُ الْعِصْمَةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ أَمْ لَا تَنْقَطِعُ الْعِصْمَةُ حَتَّى تُوقَفَ الْمَرْأَةُ، فَإِمَّا أَنْ تُسْلِمَ وَإِمَّا أَنْ تَأْبَى فَتَنْقَطِعَ الْعِصْمَةُ بِإِبَائِهَا الْإِسْلَامَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ كَيْفَ يُصْنَعُ فِي أَمْرِهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْمَرْأَةِ وَهُمَا مَجُوسِيَّانِ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ إذَا عَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَلَمْ تُسْلِمْ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَرَى إذَا طَالَ ذَلِكَ فَلَا تَكُونُ امْرَأَتَهُ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ وَتَنْقَطِعُ فِيمَا بَيْنَهُمَا إذَا تَطَاوَلَ ذَلِكَ.
قُلْتُ: كَمْ يُجْعَلُ ذَلِكَ؟
قَالَ: لَا أَدْرِي؟
قُلْت: أَشَهْرَيْنِ؟
قَالَ: قَالَ: لَا أَحُدُّ فِيهِ حَدًّا وَأَرَى الشَّهْرَ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَلِيلًا وَلَيْسَ بِكَثِيرٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الزَّوْجَيْنِ الْمَجُوسِيَّيْنِ إذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ النَّصْرَانِيِّينَ أَوْ الْيَهُودِيَّيْنِ إذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ أَهُمْ سَوَاءٌ؟
قَالَ: نَعَمْ سَوَاءٌ عِنْدَ مَالِكٍ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَالزَّوْجُ أَمْلَكُ بِالْمَرْأَةِ إذَا أَسْلَمَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ.
قُلْتُ: وَهَلْ يَكُونُ إسْلَامُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ طَلَاقًا إذَا بَانَتْ مِنْهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ: لَا يَكُونُ إسْلَامُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ طَلَاقًا إنَّمَا هُوَ فَسْخٌ بِلَا طَلَاقٍ.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ وَيُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: «بَلَغْنَا أَنَّ نِسَاءً فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ يُسْلِمْنَ بِأَرْضِهِنَّ غَيْرَ مُهَاجِرَاتٍ وَأَزْوَاجُهُنَّ حِينَ يُسْلِمْنَ كُفَّارٌ: مِنْهُنَّ ابْنَةُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَكَانَتْ تَحْتَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فَأَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ وَهَرَبَ صَفْوَانُ مِنْ الْإِسْلَامِ فَرَكِبَ الْبَحْرَ، فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ عَمِّهِ وَهْبَ بْنَ عُمَيْرِ بْنِ خَلَفٍ بِرِدَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَانًا لِصَفْوَانَ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُسْلِمَ أَسْلَمَ، وَإِلَّا سَيَّرَهُ شَهْرَيْنِ قَالَ: عَبْدُ الْجَبَّارِ فِي الْحَدِيثِ فَأَدْرَكَهُ وَقَدْ رَكِبَ فِي الْبَحْرِ، فَصَاحَ بِهِ أَبَا وَهْبٍ، فَقَالَ: مَا عِنْدَك وَمَاذَا تُرِيدُ فَقَالَ: هَذَا رِدَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَانًا لَك، فَتَأْتِي فَتُقِيمُ شَهْرَيْنِ فَإِنْ رَضِيتُ أَمْرًا قَبِلْته وَإِلَّا رَجَعْت إلَى مَأْمَنِك، قَالُوا فِي الْحَدِيثِ فَلَمَّا قَدِمَ صَفْوَانُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِدَائِهِ وَهُوَ بِالْأَبْطُحِ بِمَكَّةَ نَادَاهُ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ رَاكِبٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ إنَّ هَذَا وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَتَانِي بِرِدَائِك فَزَعَمَ أَنَّك تَدْعُونِي إلَى الْقُدُومِ عَلَيْك إنْ رَضِيت أَمْرًا قَبِلْته وَإِلَّا سَيَّرْتنِي شَهْرَيْنِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْزِلْ أَبَا وَهْبٍ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَنْزِلُ حَتَّى تُبَيِّنَ لِي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا بَلْ لَك تَسِيرُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ وَسَارَ صَفْوَانُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ حَتَّى أَسْلَمَ صَفْوَانُ فَاسْتَقَرَّتْ امْرَأَتُهُ عِنْدَهُ بِذَلِكَ النِّكَاحِ».
قَالَ مَالِكٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَكَانَ بَيْنَ إسْلَامِ امْرَأَةِ صَفْوَانَ وَبَيْنَ إسْلَامِ صَفْوَانَ نَحْوٌ مِنْ شَهْرٍ، قَالُوا عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَأَسْلَمَتْ أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ وَهَرَبَ زَوْجُهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مِنْ الْإِسْلَامِ حَتَّى قَدِمَ الْيَمَنَ، فَارْتَحَلَتْ أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَهِيَ مُسْلِمَةٌ حَتَّى قَدِمَتْ عَلَيْهِ الْيَمَنَ، فَدَعَتْهُ إلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ، فَقَدِمَتْ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَ إلَيْهِ فَرِحَا وَمَا عَلَيْهِ رِدَاءٌ حَتَّى بَايَعَهُ، قَالَ فَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَاسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ بِذَلِكَ النِّكَاحِ.
ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: «أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَحْتَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَأَسْلَمَتْ وَهَاجَرَتْ وَكَرِهَ زَوْجُهَا الْإِسْلَامَ، ثُمَّ إنَّ أَبَا الْعَاصِي خَرَجَ إلَى الشَّامِ تَاجِرًا فَأَسَرَهُ رِجَالٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَدِمُوا بِهِ الْمَدِينَةَ، فَقَالَتْ زَيْنَبُ إنَّهُ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ. قَالَ: وَمَنْ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: أَبُو الْعَاصِي. قَالَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَارَتْ زَيْنَبُ فَأَسْلَمَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا ثُمَّ كَانَ عَلَى نِكَاحِهِ».
مَالِكٌ وَيُونُسُ وَقُرَّةُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ امْرَأَةً هَاجَرَتْ إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ مُقِيمٌ بِأَرْضِ الْكُفْرِ إلَّا فَرَّقَتْ هِجْرَتُهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا الْكَافِرِ إلَّا أَنْ يَقْدَمُ زَوْجُهَا مُهَاجِرًا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ بَعْدَ أَنْ قَدِمَ عَلَيْهَا مُهَاجِرًا وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا.
قَالَ يُونُسُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَلَكِنَّ السُّنَّةَ قَدْ مَضَتْ فِي الْمُهَاجِرَاتِ اللَّاتِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} قَالَ فَكَانَتْ السُّنَّةُ إذَا هَاجَرَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ يَبْرَأَ مِنْ عِصْمَتِهَا الْكَافِرُ وَتَعْتَدَّ، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا نَكَحَتْ مَنْ بَدَا لَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَأَسْلَمَ، أَتَنْقَطِعُ الْعِصْمَةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ أَمْ لَا؟
قَالَ: أَرَى أَنَّهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا وَلَا يَكُونُ افْتِرَاقُهُمَا فِي الدَّارَيْنِ قَطْعًا لِلنِّكَاحِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ نَصْرَانِيَّيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ زَوْجَيْنِ أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَلَمْ تُسْلِمْ الْمَرْأَةُ؟
قَالَ: هُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا فِي رَأْيِي إلَّا أَنِّي قَدْ أَخْبَرْتُك أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ نِكَاحَ نِسَاءِ أَهْلِ الْحَرْبِ لِلْوَلَدِ، وَهَذَا أَكْرَهُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ خَوْفًا مِنْ أَنْ تَلِدَ وَلَدًا فَيَكُونَ عَلَى دِينِ الْأُمِّ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ خَرَجَا إلَيْنَا بِأَمَانٍ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا عِنْدَنَا؟
قَالَ: سَبِيلُهُمَا فِي الْفُرْقَةِ وَالِاجْتِمَاعِ كَسَبِيلِ الذِّمِّيَّيْنِ إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الذِّمِّيَّيْنِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْحَرْبِيَّ يَخْرُجُ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَيُسْلِمُ وَقَدْ خَلَفَ زَوْجَةً لَهُ نَصْرَانِيَّةً فِي دَارِ الْحَرْبِ فَطَلَّقَهَا أَيَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَأَرَى أَنَّ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ عَلَيْهَا لِأَنَّ افْتِرَاقَ الدَّارَيْنِ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَهِيَ زَوْجَتُهُ، فَلَمَّا كَانَتْ زَوْجَتَهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ النَّصْرَانِيَّ يَكُونُ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ فَيُسْلِمُ الزَّوْجُ أَتَكُونُ امْرَأَتُهُ عَلَى حَالِهَا؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ مُسْلِمٍ تَزَوَّجَ نَصْرَانِيَّةً أَوْ يَهُودِيَّةً.
قُلْتُ: أَرَأَيْت إذَا كَانَ نَصْرَانِيٌّ تَحْتَهُ مَجُوسِيَّةٌ أَسْلَمَ الزَّوْجُ أَيُعْرَضُ عَلَى الْمَجُوسِيَّةِ الْإِسْلَامُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: أَرَى أَنَّهُ يُعْرَضُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْإِسْلَامُ إذَا أَسْلَمَ زَوْجُهَا فَأَرَى قَبْلَ أَنْ يَتَطَاوَلَ.
قُلْتُ: وَلِمَ تَعْرِضُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ وَأَنْتَ لَا تُجِيزُ نِكَاحَ الْمَجُوسِيَّةِ عَلَى حَالٍ؟
قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْكِحَهَا النَّصْرَانِيُّ وَلَا الْيَهُودِيُّ عَلَى حَالٍ، وَهِيَ إذَا كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً تَحْتَ نَصْرَانِيٍّ فَأَسْلَمَتْ، أَنَّ الزَّوْجَ أَمْلَكُ بِهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا، وَلَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا ابْتَدَأَ نِكَاحَ مُسْلِمَةٍ كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا، فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ الْمَجُوسِيَّةَ يُعْرَضُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ أَيْضًا إذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ مَا لَمْ يَتَطَاوَلْ ذَلِكَ.
قُلْتُ: وَهَذَا أَيْضًا لِمَ قُلْتُمُوهُ إنَّ النَّصْرَانِيَّ إذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ أَمْلَكُ بِهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ مُسْلِمَةٍ ابْتِدَاءً وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} قَالَ: جَاءَتْ الْآثَارُ أَنَّهُ أَمْلَكُ بِهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا إنْ هُوَ أَسْلَمَ وَقَامَتْ بِهِ السُّنَنُ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَيْسَ لِمَا قَامَتْ بِهِ السُّنَّةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيَاسٌ وَلَا نَظَرٌ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا تَزَوَّجَ صَبِيَّةً نَصْرَانِيَّةً زَوَّجَهَا أَبُوهَا فَأَسْلَمَ الزَّوْجُ قَالَ: هُمَا عَلَى النِّكَاحِ فِي رَأْيِي.
قُلْتُ: فَإِنْ بَلَغَتْ الصَّبِيَّةُ أَيَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا خِيَارَ لَهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ الْأَبَ هُوَ زَوَّجَهَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الصَّبِيَّ الذِّمِّيَّ يُزَوِّجُهُ أَبُوهُ ذِمِّيَّةً أَوْ مَجُوسِيَّةً فَيُسْلِمُ الصَّبِيُّ أَيَكُونُ إسْلَامُ الصَّبِيِّ إسْلَامًا تَقَعُ فِيهِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى الْفُرْقَةَ تَقَعُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَثْبُتَ عَلَى إسْلَامِهِ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَهُوَ مُسْلِمٌ فَتَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ تُسْلِمَ عِنْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ لَمْ أَقْتُلْهُ بِارْتِدَادِهِ ذَلِكَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمَجُوسِيَّيْنِ إذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَفَرَّقْت بَيْنَهُمَا، أَيَكُونُ نِصْفُ الصَّدَاقِ عَلَى الزَّوْجِ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَلَا تَرَى أَنَّ هَذَا فَسْخٌ وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا وَذَلِكَ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِامْرَأَتِهِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ وَإِنْ كَانَ قَدْ سَمَّى لَهَا صَدَاقَهَا وَلَا مُتْعَةَ لَهَا؟
قَالَ: نَعَمْ لَا صَدَاقَ لَهَا وَلَا مُتْعَةَ لَهَا وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا وَهُمَا ذِمِّيَّانِ فَأَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ وَقَدْ دُخِلَ بِهِمَا، أَوْ كَانَا مَجُوسِيَّيْنِ فَأَسْلَمَ الزَّوْجُ وَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ فَرَفَعَتْهَا حَيْضَتُهَا، أَيَكُونُ لَهَا السُّكْنَى فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ حِينَ أَسْلَمَتْ كَانَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ إنْ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا، وَلِأَنَّ الْمَجُوسِيَّ إذَا أَسْلَمَ اتَّبَعَهُ وَلَدُهُ مِنْهَا، فَأَرَى السُّكْنَى عَلَيْهِ لَهَا؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ حَامِلًا اتَّبَعَهُ مَا فِي بَطْنِهَا وَإِنَّمَا حُبِسَتْ مِنْ أَجْلِهِ فَأَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الَّذِي يَتَزَوَّجُ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا، إنَّ لَهَا السُّكْنَى إنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا تَعْتَدُّ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ فَسْخًا فَكَذَلِكَ أَيْضًا الَّذِي سَأَلْت عَنْهُ لَهَا السُّكْنَى؛ لِأَنَّهَا تَعْتَدُّ مِنْ زَوْجِهَا، وَاَلَّذِي سَأَلْتَ عَنْهُ أَقْوَى مِنْ هَذَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ خَرَجَتْ إلَيْنَا فَأَسْلَمَتْ وَزَوْجُهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَتُنْكَحُ مَكَانَهَا أَمْ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ أَسْلَمَ نِسَاؤُهُمَا قَبْلَهُمَا وَهَاجَرْنَ وَهَرَبَ عِكْرِمَةُ إلَى أَرْضِ الشِّرْكِ، ثُمَّ أَسْلَمَ فَرَدَّهَا إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِكَاحِهِ الْأَوَّلِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ امْرَأَةً هَاجَرَتْ إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَزَوْجُهَا مُقِيمٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَفَرَّقَتْ الْهِجْرَةُ بَيْنَهُمَا، إذَا أَسْلَمَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا وَلَكِنَّهَا امْرَأَتُهُ إذَا أَسْلَمَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى لَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهَاجَرَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ خَرَجَتْ بِأَمَانٍ فَأَسْلَمَتْ بَعْدَمَا خَرَجَتْ وَزَوْجُهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، إنَّ إسْلَامَهَا لَا يَقْطَعُ مَا كَانَ لِزَوْجِهَا مِنْ عِصْمَتِهَا إنْ أَسْلَمَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا إنْ أَثْبَتَ أَنَّهُ زَوْجُهَا؛ لِأَنَّ عِكْرِمَةَ وَصَفْوَانَ قَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ أُولَئِكَ النِّسَاءِ كُنَّ أَزْوَاجَهُمَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الَّتِي أَسْلَمَتْ وَزَوْجُهَا مُقِيمٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ، لِمَ جَعَلْتُ عَلَيْهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لِأَنَّ اسْتِبْرَاءَ الْحَرَائِرِ ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَلِأَنَّ هَذِهِ لَهَا زَوْجٌ وَهُوَ أَمْلَكُ بِهَا إنْ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا، وَلَيْسَتْ بِمَنْزِلَةِ الْأَمَةِ الَّتِي سُبِيَتْ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ الَّتِي سُبِيَتْ صَارَتْ أَمَةً فَصَارَ اسْتِبْرَاؤُهَا حَيْضَةً.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ فِي عِدَّةِ امْرَأَتِهِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا إذَا أَثْبَتَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْت الزَّوْجَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ إلَيْنَا فَأَسْلَمَتْ أَوْ أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا، أَيَكُونُ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا سَبِيلٌ إنْ أَسْلَمَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ أَوْ مِنْ الْغَدِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا فِي رَأْيِي؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الذِّمِّيَّيْنِ النَّصْرَانِيِّينَ إذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا ثُمَّ أَسْلَمَ الزَّوْجُ بَعْدَهَا، فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا، فَاَلَّذِي سَأَلْتَ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ الزَّوْجَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ امْرَأَةً أَسْلَمَتْ فَهَاجَرَتْ إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا مُقِيمًا بِدَارِ الْكُفْرِ إنْ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا إنَّ عِصْمَتَهَا لَا تَنْقَطِعُ وَإِنَّهَا كَمَا هِيَ، فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ مَالِكًا لَا يَرَى افْتِرَاقَ الدَّارَيْنِ شَيْئًا إذَا أَسْلَمَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا وَإِنْ فَرَّقَتْهُمَا الدَّارَانِ دَارُ الْإِسْلَامِ وَدَارُ الْحَرْبِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْت إنْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ وَذَلِكَ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا، أَيَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ شَيْءٌ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا شَيْءَ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ قَدْ بَنَى بِهَا؟
قَالَ: فَلَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ يُعْرَضُ عَلَى زَوْجِهَا الْإِسْلَامُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فِي رَأْيِي وَلَكِنَّهُ إنْ أَسْلَمَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي النَّصْرَانِيَّةِ تَكُونُ تَحْتَ النَّصْرَانِيِّ فَتُسْلِمُ فَيُطَلِّقُهَا فِي عِدَّتِهَا أَلْبَتَّةَ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَلْزَمُهَا مِنْ طَلَاقِهِ شَيْءٌ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ، وَإِنْ أَسْلَمَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا بَعْدَمَا طَلَّقَهَا وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ كَانَتْ زَوْجَتَهُ وَكَانَ طَلَاقُهُ ذَلِكَ بَاطِلًا إلَّا أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ أَنْ يُسْلِمَ، وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ نِكَاحُهُ جَائِزًا وَكَانَ الطَّلَاقُ الَّذِي طَلَّقَهَا وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ بَاطِلًا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الزَّوْجَيْنِ إذَا سُبِيَا مَعًا أَيَكُونَانِ عَلَى نِكَاحِهِمَا أَمْ لَا؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَشْهَبُ السِّبَاءُ يَفْسَخُ النِّكَاحَ، وَقَالَ أَشْهَبُ سُبِيَا جَمِيعًا أَوْ مُفْتَرَقَيْنِ.
مَخْرَمَةُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ قُسَيْطٍ وَاسْتُفْتِيَ فِي رَجُلٍ ابْتَاعَ عَبْدًا مِنْ السَّبْيِ وَامْرَأَتَهُ جَمِيعًا قَبْلَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا السُّهْمَانُ أَيَصْلُحُ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فَيَطَأُ الْوَلِيدَةَ أَوْ يَصْلُحُ لَهُ إنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا السُّهْمَانُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يُفَارِقَهَا فَيُطَلِّقَهَا الْعَبْدُ فَقَالَ: يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا إنْ شَاءَ وَيَطَؤُهَا.
قَالَ بُكَيْر وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ إذَا كَانَا سَبِيَّيْنِ كَافِرَيْنِ فَإِنَّ النَّاسَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ يَتْرُكُهَا حَتَّى تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ، وَأَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ قَالَ: السِّبَاءُ يَهْدِمُ نِكَاحَ الزَّوْجَيْنِ.
وَقَالَ اللَّيْثُ مِثْلَ ذَلِكَ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: فِي الَّذِينَ يَقْدَمُونَ عَلَيْنَا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بِالرَّقِيقِ فَيَبِيعُونَ الرَّقِيقَ مِنَّا فَيَبِيعُونَ الْعِلْجَ وَالْعِلْجَةَ فَيَزْعُمُ الْعِلْجُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَتَزْعُمُ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ زَوْجُهَا.
قَالَ: إنْ زَعَمَ ذَلِكَ ذَلِكَ الَّذِينَ بَاعُوهُمَا أَوْ عَلِمَ بِصِدْقِ قَوْلِهِمَا بِبَيِّنَةٍ رَأَيْتُ أَنْ يُقَرَّا عَلَى نِكَاحِهِمَا وَلَا يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا قَوْلُ الْعِلْجِ وَالْعِلْجَةِ لَمْ يُصَدَّقَا وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ سُبِيَ الزَّوْجُ قَبْلُ ثُمَّ سُبِيَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدُ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ الزَّوْجُ أَوْ بَعْدَمَا قُسِمَ أَيَكُونَانِ عَلَى نِكَاحِهِمَا أَوْ تَنْقَطِعُ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا حِينَ سُبِيَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ، وَهَلْ يُجْعَلُ السَّبْيُ إذَا سُبِيَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ هَدْمًا لِلنِّكَاحِ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّ الَّذِي أَرَى أَنَّ السَّبْيَ يَفْسَخُ النِّكَاحَ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا وَاحِدَةً فَيُسَافِرُ عَنْهَا أَوْ يَرْتَجِعُهَا فِي سَفَرِهِ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا وَلَا تَبْلُغُهَا رَجْعَتُهُ وَلَا يَبْلُغُ سَيِّدَهَا فَيَطَؤُهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ يَقْدَمُ زَوْجُهَا فَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ ارْتَجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا قَالَ: لَا سَبِيلَ لِلزَّوْجِ إلَيْهَا إذَا وَطِئَهَا سَيِّدُهَا بِالْمِلْكِ وَإِنَّمَا وَطْؤُهَا بِالْمِلْكِ كَوَطْئِهَا بِالنِّكَاحِ.
قُلْت: لَوْ أَنَّ نَصْرَانِيَّيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ زَوْجَيْنِ أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَلَمْ تُسْلِمْ الْمَرْأَةُ؟
قَالَ: هُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا فِي رَأْيِي إلَّا أَنِّي قَدْ أَخْبَرْتُك أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ نِكَاحَ نِسَاءِ أَهْلِ الْحَرْبِ لِلْوَلَدِ، وَهَذَا أَكْرَهُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ خَوْفًا مِنْ أَنْ تَلِدَ لَهُ وَلَدًا فَيَكُونَ عَلَى دِينِ أُمِّهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ غَزَا أَهْلُ الْإِسْلَامِ تِلْكَ الدَّارَ فَسَبَوْا امْرَأَتَهُ هَذِهِ، أَتَكُونُ رَقِيقًا؟
قَالَ: نَعَمْ تَكُونُ رَقِيقًا وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَتَى مُسْلِمًا أَوْ بِأَمَانٍ فَأَسْلَمَ وَخَلَفَ أَهْلَهُ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَغَزَا أَهْلُ الْإِسْلَامِ تِلْكَ الدَّارِ فَغَنِمُوهَا وَغَنِمُوا أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ؟
قَالَ مَالِكٌ: هِيَ وَوَلَدُهُ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ.
قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ وَمَالُهُ أَيْضًا فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُك.
سَحْنُونٌ وَقَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ إنَّ وَلَدَهُ تَبَعٌ لِأَبِيهِمْ إذَا كَانُوا صِغَارًا وَكَذَلِكَ مَالُهُ هُوَ لَهُ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَدْرَكَهُ قَبْلَ الْقَسْمِ أَخَذَهُ وَإِنْ قُسِمَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ.
قُلْتُ: فَهَلْ تَنْقَطِعُ الْعِصْمَةُ فِيمَا بَيْنَهُمَا إذَا وَقَعَ السَّبْيُ عَلَيْهِمَا أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَقُومُ عَلَى حِفْظِ قَوْلِ مَالِكٍ السَّاعَةَ وَلَكِنْ فِي رَأْيِي أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْقَطِعُ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَهِيَ زَوْجَتُهُ إنْ أَسْلَمَتْ وَإِنْ أَبَتْ الْإِسْلَامَ فَرَّقْتُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ زَوْجَةً لِمُسْلِمٍ وَهِيَ أَمَةٌ نَصْرَانِيَّةٌ عَلَى حَالِهَا لِمَا جَرَى فِيهَا مِنْ الرِّقِّ بِالسَّبْيِ وَلَا تَنْقَطِعُ عِصْمَتُهَا بِالسَّبْيِ، فَإِنْ كَانَ فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ لِذَلِكَ الْمُسْلِمِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: رَأَيْته رَقِيقًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَ أُمِّهِ فَسُبِيَ هُوَ وَأُمُّهُ لَكَانَ فَيْئًا وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ فَكَيْفَ إذَا كَانَ فِي بَطْنِهَا.
قُلْتُ: وَيَكُونُ لَهَا الصَّدَاقُ عَلَى زَوْجِهَا الَّذِي سُمِّيَ لَهَا وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِهَذَا الَّذِي صَارَتْ إلَيْهِ فِي السَّبْيِ؟
قَالَ: أَرَى مَهْرَهَا فَيْئًا لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَلَا يَكُونُ الْمَهْرُ لَهَا وَلَا لِسَيِّدِهَا؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا قُسِّمَتْ فِي السَّبْيِ لِسَيِّدِهَا وَلَا مَهْرَ لَهَا وَإِنَّمَا مَهْرُهَا فَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَ سُبِيَتْ صَارَ مَهْرُهَا ذَلِكَ فَيْئًا وَلَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ مَالِكٍ وَهُوَ رَأْيِي.
قُلْتُ: وَتَجْعَلُ الْمَهْرَ فَيْئًا لِذَلِكَ الْجَيْشِ أَمْ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ؟
قَالَ: بَلْ هُوَ فَيْءٌ لِذَلِكَ الْجَيْشِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ تُسْبَى وَلَهَا زَوْجٌ مَا عَلَيْهَا، أَعْلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ أَمْ الْعِدَّةُ؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَأَرَى عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءَ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِي صَخْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُ قَالَ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} سَبْيُ أَهْلِ الْكِتَابِ، السَّبِيَّةُ الَّتِي لَهَا زَوْجٌ بِأَرْضِهَا يَسْبِيهَا الْمُسْلِمُونَ فَتُبَاعُ فِي الْمَغَانِمِ فَتُشْتَرَى وَلَهَا زَوْجٌ قَالَ: فَهِيَ حَلَالٌ.
رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مِثْلُهُ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَبَلَغَنِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «أَصَبْنَا سَبْيًا يَوْمَ أَوْطَاسٍ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ فَكَرِهْنَا أَنْ نَقَعَ عَلَيْهِنَّ فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فَاسْتَحْلَلْنَاهُنَّ».

.نِكَاحُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَإِمَائِهِنَّ:

قُلْتُ: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي نِكَاحِ نِسَاءِ أَهْلِ الْحَرْبِ؟
قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَهُ، وَقَالَ يَضَعُ وَلَدَهُ فِي أَرْضِ الشِّرْكِ ثُمَّ يَتَنَصَّرُ أَوْ يُنَصَّرُ فَلَا يُعْجِبُنِي.
قُلْت فَيُفْسَخُ نِكَاحُهُمَا؟
قَالَ: إنَّمَا بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَهُ وَلَا أَدْرِي هَلْ يُفْسَخُ أَمْ لَا، وَأَنَا أَرَى أَنْ يُطَلِّقَهَا وَلَا يُقِيمَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَطَعَامَهُمْ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُحِلُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَقْدَمَ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِكَيْ يَتَزَوَّجَ فِيهِمْ أَوْ يَلْبَثَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ.
قُلْتُ: أَفَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ نِكَاحَ نِسَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ نِكَاحَ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ - الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّة -.
قَالَ: وَمَا أُحَرِّمُهُ، وَذَلِكَ أَنَّهَا تَأْكُلُ الْخِنْزِيرَ وَتُشْرِبُ الْخَمْرَ وَيُضَاجِعُهَا وَيُقَبِّلُهَا وَذَلِكَ فِي فِيهَا وَتَلِدُ مِنْهُ أَوْلَادًا فَتُغَذِّي وَلَدَهَا عَلَى دِينِهَا وَتُطْعِمُهُ الْحَرَامَ وَتَسْقِيه الْخَمْرَ.
قُلْتُ: وَكَانَ مَالِكٌ يُحَرِّمُ نِكَاحَ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ - نَصْرَانِيَّةً أَوْ يَهُودِيَّةً - وَإِنْ كَانَ مِلْكُهَا لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ؟
قَالَ: نَعَمْ، كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ: إذَا كَانَتْ أَمَةٌ يَهُودِيَّةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ وَمَلَكَهَا الْمُسْلِمُ أَوْ نَصْرَانِيٌّ فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حُرًّا كَانَ هَذَا الْمُسْلِمُ أَوْ عَبْدًا.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُزَوِّجُهَا سَيِّدُهَا مِنْ غُلَامٍ لَهُ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَمَةَ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّة لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَطَأَهَا إلَّا بِالْمِلْكِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً مَمْلُوكَةً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ: {مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ} قَالَ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} وَلَيْسَتْ الْأَمَةُ بِمُحْصَنَةٍ.
ابْنُ وَهْبٍ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَحِلُّ نِكَاحُ أَمَةٍ يَهُودِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} وَهِيَ الْحُرَّةُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَقَالَ: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ} فَهُنَّ الْإِمَاءُ الْمُؤْمِنَاتُ، فَإِنَّ اللَّهَ أَحَلَّ نِكَاحَ الْإِمَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ وَلَمْ يُحِلَّ نِكَاحَ الْإِمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَالْأَمَةُ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّة تَحِلُّ لِسَيِّدِهَا بِمِلْكِ يَمِينِهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْإِمَاءَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ هَلْ يَحِلُّ وَطِئَهُنَّ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَحِلُّ وَطْؤُهُنَّ فِي قَوْلِ مَالِكٍ بِنِكَاحٍ وَلَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَمْنَعَ امْرَأَتَهُ النَّصْرَانِيَّةَ مِنْ أَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالذَّهَابِ إلَى الْكَنَائِسِ إذَا كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ نِكَاحَ النَّصْرَانِيَّاتِ وَالْيَهُودِيَّاتِ؟
قَالَ: نَعَمْ، لِهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ لَك.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ أَنْ لَا يَطَأَ الرَّجُلُ مُشْرِكَةً وَلَا مَجُوسِيَّةً وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً وَلَكِنْ لِيَطَأْ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّة.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَابْنِ شِهَابٍ وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَشْيَاخِ أَهْلِ مِصْرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لَا يَصْلُحُ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أَنْ يَطَأَ الْمَجُوسِيَّةَ حَتَّى تُسْلِمَ.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ مِثْلُهُ.
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَلَا يُبَاشِرُهَا وَلَا يُقَبِّلُهَا.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَطَأُ الرَّجُلُ الْأَمَةَ الْمَجُوسِيَّةَ لِأَنَّهُ لَا يَنْكِح الْحُرَّةَ الْمَجُوسِيَّةَ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ}.
فَمَا حَرَّمَ اللَّهُ بِالنِّكَاحِ حَرَّمَ بِالْمَلْكِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَبَلَغَنِي مِمَّنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ صَاحِبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنْ الْحَرَائِرِ شَيْئًا إلَّا حَرَّمَ مِثْلَهُ مِنْ الْإِمَاءِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ مَجُوسِيًّا تَزَوَّجَ نَصْرَانِيَّةً، أَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ هَذَا لِمَكَانِ الْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ لَنَا نِكَاحَ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا وَلَا أَرَى أَنْ يُمْنَعُوا مِنْ ذَلِكَ.
قُلْتُ: فَإِنْ تَزَوَّجَ هَذَا الْمَجُوسِيُّ نَصْرَانِيَّةً لِمَنْ يَكُونُ الْوَلَدُ لِلْأَبِ أَمْ لِلْأُمِّ وَيَكُونُ عَلَيْهِ جِزْيَةُ النَّصَارَى أَمْ جِزْيَةُ الْمَجُوسِ؟
قَالَ: يَكُونُ الْوَلَدُ لِلْأَبِ فِي رَأْيِي؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: وَلَدُ الْأَحْرَارِ مِنْ حُرَّةٍ تَبَعٌ لِلْآبَاءِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ نَصْرَانِيًّا تَحْتَهُ نَصْرَانِيَّةٌ فَأَسْلَمَتْ الْأُمُّ وَلَهَا أَوْلَادٌ صِغَارٌ، لِمَنْ يَكُونُ الْأَوْلَادُ وَعَلَى دِينِ مَنْ هُمْ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هُمْ عَلَى دِينِ أَبِيهِمْ وَيُتْرَكُونَ مَعَ الْأُمِّ مَا دَامُوا.
صِغَارًا تَحْضُنُهُمْ.
وَقَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إنْ كَانَتْ حَامِلًا فَأَسْلَمَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ مَا أَسْلَمَتْ أَنَّ الْوَلَدَ لِلْأَبِ وَهُمْ عَلَى دِينِ الْأَبِ وَيُتْرَكُ فِي حَضَانَةِ الْأُمِّ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ تُسْلِمُ وَلَهَا أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَالزَّوْجُ كَافِرٌ، فَأَبَى الزَّوْجُ أَنْ يُسْلِمَ، أَيَكُونُ الْوَلَدُ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْوَلَدُ عَلَى دِينِ الْأَبِ.
ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ نِكَاحِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة فَقَالَ جَابِرٌ: تَزَوَّجْنَاهُنَّ زَمَنَ فَتْحِ الْكُوفَةِ مَعَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَنَحْنُ لَا نَكَادُ نَجِدُ الْمُسْلِمَاتِ كَثِيرًا فَلَمَّا رَجَعْنَا طَلَّقْنَاهُنَّ، وَقَالَ جَابِرٌ نِسَاؤُهُمْ لَنَا حَلَالٌ وَنِسَاؤُنَا عَلَيْهِمْ حَرَامٌ.
ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ تَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً بِالشَّامِ وَأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ تَزَوَّجَ فِي خِلَافَتِهِ نَائِلَةَ بِنْتَ الْفُرَافِصَةِ الْكَلْبِيَّةَ وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ، قَالَ وَأَقَامَ عَلَيْهَا حَتَّى قُتِلَ عَنْهَا.
يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ تَزَوَّجَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَوَلَدَتْ لَهُ وَتَزَوَّجَ ابْنُ قَارِظٍ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَوَلَدَتْ لَهُ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَارِظٍ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَنِكَاحُ كُلُّ مُشْرِكَةٍ سِوَى نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَرَامٌ وَنِكَاحُ الْمُسْلِمَاتِ لِلْمُشْرِكَيْنِ حَرَامٌ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ صَبِيَّةً بَيْنَ أَبَوَيْهَا نَصْرَانِيَّيْنِ، وَزَوَّجَهَا نَصْرَانِيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْأَبَوَانِ وَالصَّبِيَّةُ صَغِيرَةٌ، أَيَكُونُ هَذَا فَسْخٌ لِنِكَاحِ الصَّبِيَّةِ وَيُجْعَلُ إسْلَامُ أَبَوَيْهَا إسْلَامًا لَهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ فِي رَأْيِي قُلْتُ: وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ صَبِيًّا صَغِيرًا بَيْنَ أَبَوَيْهِ مَجُوسِيَّيْنِ زَوَّجَاهُ مَجُوسِيَّةً فَأَسْلَمَ الْأَبَوَانِ وَالصَّبِيُّ صَغِيرٌ؟
قَالَ: نَعَمْ، هَذَا يُعْرَضُ عَلَى امْرَأَتِهِ الْإِسْلَامُ، فَإِنْ أَسْلَمَتْ وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يَتَطَاوَلْ فِي ذَلِكَ.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ الْغُلَامُ مُرَاهِقًا وَالْجَارِيَةُ مُرَاهِقَةً ثُمَّ أَسْلَمَ أَبَوَاهُمَا وَالزَّوْجُ نَصْرَانِيٌّ؟
قَالَ: إذَا كَانَتْ مُرَاهِقَةً كَمَا وَصَفْتُ لَمْ يُعْرَضْ لَهَا وَتُرِكَتْ حَتَّى تَحِيضَ، فَإِنْ اخْتَارَتْ دِينَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَكَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ، وَإِذَا أَسْلَمَ أَبَوَاهَا وَقَدْ رَاهَقَتْ لَمْ تُجْبَرْ عَلَى الْإِسْلَامِ إذَا حَاضَتْ إنْ اخْتَارَتْ دِينَهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ الْغُلَامُ؟
قَالَ: نَعَمْ، إذَا كَانَ مُرَاهِقًا أَوْ عَقَلَ دِينَهُ ابْنَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً إذَا أَسْلَمَ أَبُوهُ فَلَا يُعْرَضُ لَهُ فَإِذَا احْتَلَمَ كَانَ عَلَى دِينِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ.
قَالَ: وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يُسْلِمُ وَلَهُ وُلْدٌ قَدْ نَاهَزُوا الْحُلُمَ وَلَمْ يَحْتَلِمُوا بَنُو ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَمَا أَشْبَهَهُمْ، ثُمَّ هَلَكَ، كَيْفَ تَرَى فِي وَلَدِهِ، كَتَبَ إلَى مَالِكٍ بِهَذَا عَامِلٌ مِنْ الْأَجْنَادِ فَكَتَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنْ أَرْجِئْ مَالَهُ فَإِنْ احْتَلَمَ الْأَوْلَادُ فَأَسْلَمُوا فَأَعْطِهِمْ الْمِيرَاثَ وَإِنْ أَبَوْا أَنْ يُسْلِمُوا إذَا احْتَلَمُوا وَثَبَتُوا عَلَى دِينِهِمْ فَلَا تَعْرِضْ لَهُمْ وَدَعْهُمْ عَلَى دِينِهِمْ وَاجْعَلْ مِيرَاثَ أَبِيهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ.
وَكَتَبَ إلَى مَالِكٍ أَيْضًا وَأَنَا عِنْدَهُ قَاعِدٌ مِنْ بَلَدِ آخَرَ فِي رَجُلٍ أَسْلَمَ وَلَهُ وُلْدٌ صِغَارٌ فَأَقَرَّهُمْ أَبُوهُمْ حَتَّى بَلَغُوا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ.
فَأَبَوْا أَنْ يُسْلِمُوا أَتَرَى أَنْ يُجْبَرُوا عَلَى الْإِسْلَامِ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ لَا تُجْبِرْهُمْ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ يُجْبَرُوا وَهُمْ مُسْلِمُونَ وَهُوَ أَكْثَرُ مَذَاهِبِ الْمَدَنِيِّينَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْت هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَلَكَ وَالِدُهُمْ وَقَدْ أَسْلَمَ وَقَدْ عَقَلُوا دِينَهُمْ أَوْ رَاهَقُوا فَقَالُوا حِينَ مَاتَ أَبُوهُمْ مُسْلِمًا لَا تُوقِفُوا عَلَيْنَا هَذَا الْمَالَ إلَى احْتِلَامِنَا وَلَكِنْ نُسْلِمُ السَّاعَةَ وَادْفَعُوا إلَيْنَا أَمْوَالَنَا وَوَرِّثُونَا.
قَالَ: إذَا أَسْلَمُوا وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمُوا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ حَتَّى يَحْتَلِمُوا وَإِنْ أَسْلَمُوا أَوْ أَجَابُوا كَانَ لَهُمْ الْمِيرَاثُ، وَإِنْ أَبَوْا تُرِكُوا، أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الَّذِي مَاتَ وَتَرَكَ بَنِينَ حَزَاوِرَةً يُوقَفُ الْمَالُ وَلَمْ يَقُلْ يُعْرَضْ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامُ، فَلَوْ كَانَ يَرَى لَهُمْ الْمِيرَاثَ بِذَلِكَ الْإِسْلَامِ لَعَرَضَهُ عَلَيْهِمْ وَيُعَجِّلُ الْمِيرَاثَ لَهُمْ وَلَمْ يُؤَخِّرْ الْمَالَ وَيُوقِفْهُ عَلَيْهِمْ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَرَ ذَلِكَ إسْلَامًا، أَوَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ لِي لَوْ أَنَّهُمْ أَسْلَمُوا ثُمَّ رَجَعُوا إلَى النَّصْرَانِيَّةِ فَرَأَى أَنَّهُمْ يُسْتَكْرَهُوا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَرَ أَنْ يُقْبَلُوا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ إسْلَامًا قَبِلَهُمْ.
قُلْتُ: فَإِنْ قَالُوا وَقَدْ عَقَلُوا دِينَهُمْ وَرَاهَقُوا وَقَالُوا حِينَ مَاتَ أَبُوهُمْ مُسْلِمًا لَا نُسْلِمُ وَنَحْنُ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ، أَيَكُونُونَ نَصَارَى أَوْ يَكُونُ الْمَالُ فَيْئًا لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ؟
قَالَ: لَا يَنْظُرُ فِي قَوْلِهِمْ إنْ قَالُوا هَذَا قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمُوا فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ مِيرَاثُهُمْ إذَا احْتَلَمُوا أَوْ أَسْلَمُوا وَلَا بُدَّ أَنْ يُوقَفَ الْمَالُ حَتَّى يَحْتَلِمُوا، وَإِنْ قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا لَوْ رَأَى إلَى قَوْلِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمُوا نَحْنُ نَصَارَى مِمَّا يَقْطَعُ مِيرَاثَهُمْ، لَمْ يُوقِفْ الْمَالَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَحْتَلِمُوا وَلَقَالَ يُعْرَضُ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامُ فَكَأَنَّهُمْ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمُوا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكُلُّ وَلَدٍ لِهَذَا النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَ وَوَلَدُهُ صِغَارٌ بَنُو خَمْسِ سِنِينَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَعْقِلُوا دِينَهُمْ النَّصْرَانِيَّةَ فَهُمْ مُسْلِمُونَ وَلَهُمْ الْمِيرَاثُ، وَكَذَلِكَ يَقُولُ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ إنَّهُمْ مُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِ أَبِيهِمْ.